يحبو الصبي اليمني صدّام زبن الله لثمانية كيلومترات ذهابا وإيابا من خيمة نزوحه إلى خيمة مدرسة النصر شرق محافظة مأرب في كل يوم دراسي، حاملا على ظهره حقيبته.
كان صدّام، البالغ من العمر 14 عاما، قد ولد بإعاقة في القدمين جعلته لا يستطيع السير كبقية أقرانه؛ لكنه ونحو 700 طالب وطالبة في مخيم النزوح جمعهم الشغف بالعلم، أملا في مستقبل أفضل يشكل ملامحه ما يحصّلونه من معرفة في تلك المدرسة المكونة من تسع خيام فراشها رمال الصحراء الباردة.
يقول الصبي الصغير إن برودة الرمال أصابته بالتهاب في الأعصاب، يضطره إلى التغيب عن المدرسة من حين إلى آخر حتى يتسنى له الذهاب إلى الطبيب، مضيفا “هذا جعلني أتراجع في نسبة الدرجات خلال النصف الأول من هذا العام الدراسي؛ كنت الأول في الصف الرابع، لكن في هذا الفصل من الصف الخامس حصلت على المرتبة السابعة”.
ودخل العام الدراسي 2023-2024 في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا نصفه الثاني، فيما لم تحصل مدرسة النصر بمخيم السميا للنازحين على أهم أساسيات العملية التعليمية مثل الكتب المدرسية والأقلام ومقاعد الطلاب، الذين يضطرون أحيانا إلى الجلوس على رمال الصحراء.
* نقص في أساسيات التعليم
نزح الطفل صدّام ثلاث مرات متتالية من قريته في غرب مديرية صرواح غرب محافظة مأرب، التي تخضع حاليا لسيطرة جماعة الحوثي والتي شهدت خلال السنوات السابقة مواجهات عنيفة بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي المسلحة، ما دفع الصبي وأسرته ومئات من الأسر إلى النزوح المتكرر حتى وصلوا إلى مخيم صحراء شرق مأرب وسط اليمن.
يقول صدام إن مدرسته السابقة في صرواح، والتي تعرّضت للدمار الكامل إثر قصف استهدفها، تحمل اسم المدرسة التي يتلقى فيها التعليم اليوم في مخيم النزوح، لكنهما لا تتشابهان بأي حال من الأحوال؛ فقد كانت مدرسته السابقة مكونة من طابقين، وكانت جميع الخدمات متوفرة فيها.
وقالت فكرة الحجازي، مديرة مدرسة النصر في مخيم النزوح شرق مأرب، في لقاء مع وكالة أنباء العالم العرب (AWP) “مدرسة النصر (في صرواح) نزح اسمها، وتُركت بذكريات طلابها ووثائقهم التعليمية؛ تركها طلابها وفرّوا بأرواحهم مع أهاليهم إلى نزوح قاس، رغم مكابرة الجميع للتعايش مع أوضاع النزوح القاسية”.
لكنها أشارت إلى أن المدرسة الموجودة في المخيم ينقصها الكثير من الاحتياجات الأساسية حتى تلبي أبسط متطلبات التعليم.
وقالت “بداية النصف الثاني من العملية التعليمية لا تختلف عن النصف الأول… ثلث عدد طلاب المدرسة يتغيبون عن المدرسة بسبب أمراض البرد من إسهال وإنفلونزا، بسبب جلوسهم على الرمال البادرة، خاصة خلال الأسابيع الأولى من العام الجاري، بسبب البرد الشديد”، موضحة أن منظمة اليونيسيف قدمت الخيام كفصول دراسية “من دون أي خدمات أخرى مهمة مثل المقاعد”.
* الخيام غير كافية
وقالت الحجازي إن المنظمة وفرت في البداية 15 خيمة كفصول مدرسية، في الوقت الذي لا تكفي فيه كل خيمة للطلاب من الصف الواحد، ما اضطرها إلى تقسيم الطلاب إلى شعب.
وما زال الازدحام كبيرا داخل الخيمة الواحدة، ما دفع كثيرا من الطلاب والطالبات إلى التسرّب في ظل عدم قدرتهم على تحمُّل الزحام، حيث يصل عدد الطلاب في بعض الخيام إلى 90 طالبا وطالبة.
أضافت “نحن بحاجة أيضا إلى خيمة للمعلمات؛ فالمعلمة حاليا، بعد حضورها الحصة الدراسية، تخرج للبقاء في العراء؛ لا توجد خيمة خاصة بالإدارة، ولا توجد خيمة خاصة بالمخازن، فيما حمامات المدرسة كلها مهترئة وخارجة عن الجاهزية وبحاجة إلى صيانة متكاملة”.
وتابعت “المدرسة تواجه أيضا انعداما شبه كلي للكتاب المدرسي، حيث يتشارك عشرات الطلاب في كتاب واحد”.
وتضطر الحجازي لإخراج الطلاب إلى ساحة المدرسة الرملية للجلوس على رمال الصحراء لأداء امتحاناتهم الشهرية بسبب الزحام الشديد داخل الخيام.
وبحسب المديرة، فإن طلابها ظلوا لعامين كاملين دون تعليم بسبب عدم توفر مدرسة في مخيم السميا للنازحين.
وبحسب تقرير لمنظمة اليونيسيف، فإنه منذ بداية النزاع في مارس آذار 2015، خلّفت الهجمات التي تعرض لها أطفال المدارس والمعلمون والبنية التحتية التعليمية آثارا مدمرة على النظام التعليمي في البلاد وعلى فرص ملايين الأطفال في الحصول على التعليم.
المصدر: AWP – طلّاب وطالبات مدرسة النصر في مخيم السميا للنازحين بصحراء شرق مأرب في ساحة المدرسة على الرمال لإجراء امتحانات شهرية بسبب ازدحامهم داخل الخيام المعدة كمدرسة. (10 يناير 2024)
ودمرت الحرب 2916 مدرسة، بواقع مدرسة واحدة على الأقل من بين كل أربع مدارس، حيث تضررت تلك المدارس جزئيا أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية، بحسب المنظمة الأممية، التي أشارت أيضا إلى أن استمرار تدهور الوضع الإنساني دفع نحو مليوني طفل يمني إلى التسرب من التعليم.
وفي أحدث تقرير لها، ذكرت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في اليمن أن عدد الطلاب النازحين في المخيمات غير الملتحقين بالتعليم يقدر بنحو 112 ألفا وثلاثين، منهم 58 ألفا و282 طالبة، دون ذكر سبب عدم التحاقهم بالتعليم أو ذكر ضعف وانعدام البنى التحتية والاحتياجات الخاصة بالتعليم في المخيمات المنتشرة في 13 محافظة يمنية.
المصدر| وكالة أنباء العالم العربي