منذ اندلاع الحرب عام 2014م، والمرأة اليمنية هي الأكثر تضررا منها، إذ تعرضت حياتها لمختلف أنواع المخاطر بين القتل والفقر والنزوح، بينما زاد تهميش المرأة وارتفع منسوب العنف ضدها، نتيجة النزاع المستمر.
وخلال سنوات الحرب الدائرة في البلاد، تعرضت الآلاف من النساء للقتل أو الإصابة، ولاتزال معاناتهن مستمرة، حيث فقدن العيش بطبيعية إثر التعرض لإصابات خطيرة سلبت منهن صحتهن، وتسببت لهن بإعاقات مستديمة، والبعض الآخر بحاجة إلى سفر إلى الخارج، وإشراف متواصل، وهذا ما لم يستطعن عليه في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدنية.
منظمة سام للحقوق والحريات أكدت، في تقرير سابق لها، أن الحرب الدائرة في اليمن قوضت الأمن الشخصي للنساء، حيث وقعت العديد منهن ضحايا القتال، أو مخلفاته، دون أن يكن مشاركات أو مسببات لهذا الصراع.
وأضاف التقرير أن النساء اليمنيات يعشن في خوف دائم من العنفِ الجسديّ والجنسيّ، حيث سجلت المنظمة، خلال الفترة من بداية الصراع في اليمن إلى نهاية 2022م، أكثر من 5000 حالة انتهاك، شملت القتل والإصابات الجسدية والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب، ارتكبتها أطراف الصراع المختلفة في اليمن، مضيفة أن عدد اليمنيات اللاتي قتلن خلال هذه الفترة، بلغ 1100 امرأة، فيما أصيبت 2200 امرأة.
وبحسب الأرقام، التي رصدتها وحصلت عليها “سام”، فقد بلغ العدد الإجمالي لضحايا الألغام من النساء في اليمن، خلال الفترة “2014-2022″، 168 قتيلة، في حين بلغ عدد المصابات جراء انفجار الألغام 219 امرأة.
– إهمال حكومي ومؤسساتي
تعاني مناطق واسعة في اليمن من خطر الألغام والمقذوفات من مخلفات الحرب، فيما تعد محافظات الحديدة والبيضاء وتعز ومأرب وحجة والجوف وصعدة من أكثر المناطق الملوثة، ويسقط ضحايا بشكل شبه يومي من المدنيين؛ أغلبهم من النساء في مناطق هذه المحافظات.
تقول الناشطة داليا محمد -إحدى جريحات الحرب في تعز حيث أصيبت برصاصة قناص حوثي في إحدى عينيها-: “الجريحات في تزايد كل يوم في مدينة تعز ما بين حالات جراء القصف أو القنص أو ألغام، خصوصا في المناطق الريفية، التي عادة ما تكون أكثر الأماكن تعرض النساء فيها للاستهداف، وذلك أثناء خرجوهن لجلب الماء والحطب من المزارع والجبال”.
وتضيف داليا في حديثها لـ”بلقيس نت”: “إن هناك إهمالا حكوميا واضحا تجاه الجريحات، ومنظمات المجتمع المدني تتغاضى عنهن، وأكثر توجه تلك المنظمات هو ورش وتدريبات حرفية، ولكنها تفتقر إلى برامج للنساء الجريحات، فهناك الكثير من حالات القنص لنساء لم تجد من يتكفل بعلاجها، وتظل الجريحة وحدها من تتحمل كل المعاناة”.
وتوضح أن “التحديات أمام الجريحات كبيرة جدا، فهن محرومات من الرعاية الصحية والدعم النفسي، وأنا إحدى تلك الجريحات، حيث لا زلت أعاني من آثار إصابتي عقب فقدي للرؤية بعيني اليسرى كليا، جراء قنص حوثي، وكذلك في عمودي الفقري؛ نتيجة السقوط، ولازلت أتحمل كل تلك المعاناة بمفردي منذ عام 2015 حتى الآن”.
وثمة العشرات من النساء من مبتوري الأطراف لا يزلن يعانين عجزاً عن تأمين أطراف صناعية؛ بسبب أوضاعهن المادية الضعيفة، في الوقت الذي لا توجد فيه أي جهة أو منظمة تهتم بتقديم أطراف صناعية مجانية لهؤلاء المصابات.
– معاناة صحية ونفسية
من جهتها، أكدت عضوة اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، إشراق المقطري، لـ”بلقيس نت” أن “النساء يمثلن شريحة كبيرة جدا من المتضررين من الحرب بأشكال وطرق مختلفة، لكن ربما الانتهاك الجسيم هو استهداف المدنيين، ومقتل النساء، وإصابتهن، حيث تتحول معاناتهم إلى مأساة كبيرة، خاصة أن بعض تلك الإصابات تكون كبيرة ومؤثرة، وتمنعهم في المستقبل من التمتع بالكثير من الحقوق وفرص الحياة، والبعض يتحولن إلى معاقات، وعبئا على أسرهن”.
وأضافت: “بالنسبة للعدد، الذي تم التوصل له من قبل اللجنة الوطنية للتحقيق، هو 1400 جريحة بإصابات سببت لهن إعاقات مختلفة، وجمعيهن ضحايا بالقصف والقنص والقذائف، ويضاف إلى ذلك عدد قد يصل إلى 700 جريحة من ضحايا الألغام الفردية والمركبات والعبوات الناسفة المختلفة”.
وتابعت: “المعاناة، التي استمعنا إليها خلال زيارتهن في مناطقهن، سواء في مخيمات النزوح، أو في المنازل والقرى، هي تغيُّر حياتهن بالكامل بدلا من أن كُنّ نساء يمارسن حياتهن الطبيعية، ويقدمن جهودهن لأجل أسرهن وأطفالهن، أصبحن الآن عبئا على الأهالي والأسر، ووجدنا الكثير منهن في حالة إحباط ويأس، والشعور بالأسى والحزن؛ بسبب تغيُّر حياتهن”.
وأوضحت المقطري: “معظم هؤلاء النسوة لم يستطعن الحصول على خدمة صحية وعمليات جراحية سريعة، يستطعن التحسن، أو العودة إلى ممارسة الحياة بشكل طبيعي”.
وتابعت: “من التحديات والصعوبات، التي واجهتهنّ أيضا، أن بعضا من الجريحات أدت إصابتهن إلى فقدان أطراف علوية أو سفلية، وبعضهن إلى فقدان النظر، ويتم التعامل معهن بتنمّر، أو شفقة، وكلا السلوكين غير مقبول لديهن”.
وأشارت إلى أنهن بحاجة إلى رعاية نفسية، وتدخل من الدولة، ومؤسسات المجتمع المدني، التي يمكنها أن تقوم بدور تثقيفي وتأهيلي لهن، ومن ثم الدور الآخر على الأسر التي غالبا ما تكون أسرا فقيرة بحاجة إلى الدعم والتمكين الاقتصادي، أو الاجتماعي، وبعضهن من النازحين، وبالتالي هناك حاجة إلى تدخلات مشتركة.
وذكرت عضوة اللجنة الوطنية للتحقيق أن “الإهمال من قبل الدولة ومؤسسات المجتمع المدني يزيد من شعور هؤلاء النساء بالعجز واليأس والتمييز أيضا بأن الرجال الجرحى استطاعوا أن يعودوا إلى حياتهم، ويتقبلهم المجتمع، ولديهم فرصة للحصول على السفر والعلاج الخارجي أو الداخلي، بينما تظل النساء بدون الحصول على أي من ذلك، وهن ضحايا فقط لم يكنَّ في يوما ما طرفا في الحرب، أو متواجدات في الجبهات، ومع ذلك تم استهدافهن بشكل مباشر ليتحولن إلى معاقات وعاجزات”.
ودعت المقطري إلى تدخل الآليات غير المباشرة للإنصاف، وتعويض هؤلاء النساء ماديا ومعنويا؛ لاستكمال عمليات علاجهن، وليس الانتظار لما بعد انتهاء الحرب، حيث من المهم البدء في الإجراءات للتخفيف عن هن؛ إما بالتعويضات أو بجبر الضرر، أو التمكين الاقتصادي، والتأهيل النفسي، ريثما تتم عملية المحاسبة والإنصاف الكامل للضحايا، وعدم إفلات الجناة من العقاب.
المصدر | بلقيس نت